responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 25  صفحه : 26
سَبِيلِ اللَّهِ نَفْسَهُ وَمَالَهُ، وَزَكَّى بِتَرْكِ مَا سِوَاهُ أَعْمَالَهُ، زَكَّى شُهُودَهُ الَّذِينَ صَدَّقُوهُ فِيمَا قَالَهُ، فَيُحَرِّرُ فِي جَرَائِدِ الْمُحِبِّينَ اسْمَهُ، وَيُقَرِّرُ فِي أَقْسَامِ الْمُقَرَّبِينَ قَسْمَهُ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا يَعْنِي أَظَنُّوا أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ دَعْوَاهُمْ بِلَا شُهُودٍ وَشُهُودُهُمْ بِلَا مُزَكِّينَ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ جَمِيعِهِ لِيَكُونُوا مِنَ الْمُحِبِّينَ.
فَائِدَةٌ ثَانِيَةٌ: وَهِيَ أَنَّ أَدْنَى دَرَجَاتِ الْعَبْدِ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا فَإِنَّ مَا دُونَهُ دَرَكَاتُ الْكُفْرِ، فَالْإِسْلَامُ أَوَّلُ دَرَجَةٍ تَحْصُلُ لِلْعَبْدِ فَإِذَا حَصَلَ لَهُ هَذِهِ الْمَرْتَبَةُ كُتِبَ اسْمُهُ وَأُثْبِتَ قَسْمُهُ، لَكِنَّ الْمُسْتَخْدَمِينَ عِنْدَ الْمُلُوكِ عَلَى أَقْسَامٍ مِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ نَاهِضًا فِي شُغْلِهِ مَاضِيًا فِي فعله، فينقل من خدمة إلى خِدْمَةٍ إِلَى خِدْمَةٍ أَعْلَى مِنْهَا مَرْتَبَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ كَسْلَانًا مُتَخَلِّفًا فَيُنْقَلُ مِنْ خِدْمَةٍ إِلَى خِدْمَةٍ أَدْنَى مِنْهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يُتْرَكُ عَلَى شَغْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُقْطَعُ رَسْمُهُ وَيُمْحَى مِنَ الْجَرَائِدِ اسْمُهُ، فَكَذَلِكَ عِبَادُ اللَّهِ قَدْ يَكُونُ الْمُسْلِمُ عَابِدًا مُقْبِلًا عَلَى الْعِبَادَةِ مَقْبُولًا لِلسَّعَادَةِ فَيُنْقَلُ مِنْ مَرْتَبَةِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى دَرَجَةِ الْمُوقِنِينَ وَهِيَ دَرَجَةُ الْمُقَرَّبِينَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ قَلِيلَ الطَّاعَةِ مُشْتَغِلًا بِالْخَلَاعَةِ، فَيُنْقَلُ إِلَى مَرْتَبَةٍ دُونَهُ وَهِيَ مَرْتَبَةُ الْعُصَاةِ وَمَنْزِلَةُ الْقُسَاةِ، وَقَدْ يَسْتَصْغِرُ الْعُيُوبَ وَيَسْتَكْثِرُ الذُّنُوبَ فَيَخْرُجُ مِنَ الْعِبَادَةِ مَحْرُومًا وَيَلْحَقُ بِأَهْلِ الْعِنَادِ مَرْجُومًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْقَى فِي أَوَّلِ دَرَجَةِ الْجَنَّةِ وَهُمُ الْبُلْهُ، فَقَالَ اللَّهُ بِشَارَةً لِلْمُطِيعِ النَّاهِضِ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا يَعْنِي أَظَنُّوا أَنَّهُمْ يُتْرَكُونَ فِي أَوَّلِ الْمَقَامَاتِ لَا، بَلْ يُنْقَلُونَ إِلَى أَعْلَى الدَّرَجَاتِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ [الْمُجَادَلَةِ: 11] فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ ... عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً [النِّسَاءِ: 95] . وَقَالَ بِضِدِّهِ لِلْكَسْلَانِ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا يَعْنِي إِذَا قَالَ آمَنْتُ وَيَتَخَلَّفُ/ بِالْعِصْيَانِ يُتْرَكُ وَيُرْضَى مِنْهُ، لَا بَلْ يُنْقَلُ إِلَى مَقَامٍ أدنى وهو مقام العاصي أو الكافر. ثم قال تعالى:

[سورة العنكبوت (29) : آية 3]
وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ (3)
ذَكَرَ اللَّهُ مَا يُوجِبُ تَسْلِيَتَهُمْ فَقَالَ: كَذَلِكَ فَعَلَ اللَّهُ بِمَنْ قَبْلَكُمْ وَلَمْ يَتْرُكْهُمْ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِمْ آمَنَّا بَلْ فَرَضَ عَلَيْهِمُ الطَّاعَاتِ وَأَوْجَبَ عَلَيْهِمْ وَفِي قَوْلِهِ: فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: قَوْلُ مُقَاتِلٍ فَلَيَرَيَنَّ اللَّهُ الثَّانِي: فَلَيُظْهِرَنَّ اللَّهُ الثَّالِثُ: فَلَيُمَيِّزَنَّ اللَّهُ، فَالْحَاصِلُ عَلَى هَذَا هُوَ أَنَّ الْمُفَسِّرِينَ ظَنُّوا أَنَّ حَمْلَ الْآيَةِ عَلَى ظَاهِرِهَا يُوجِبُ تَجَدُّدَ عِلْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ عَالِمٌ بِالصَّادِقِ وَالْكَاذِبِ قَبْلَ الِامْتِحَانِ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِعِلْمِهِ عِنْدَ الِامْتِحَانِ فَنَقُولُ الْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى ظَاهِرِهَا وَذَلِكَ أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ صِفَةٌ يَظْهَرُ فِيهَا كُلُّ مَا هُوَ وَاقِعٌ كَمَا هُوَ وَاقِعٌ، فَقَبْلَ التَّكْلِيفِ كَانَ اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ زَيْدًا مَثَلًا سَيُطِيعُ وَعَمْرًا سَيَعْصِي، ثُمَّ وَقْتَ التَّكْلِيفِ وَالْإِتْيَانِ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُطِيعٌ وَالْآخَرَ عَاصٍ وَبَعْدَ الْإِتْيَانِ يَعْلَمُ أَنَّهُ أَطَاعَ وَالْآخَرَ عَصَى وَلَا يَتَغَيَّرُ عِلْمُهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، وَإِنَّمَا الْمُتَغَيِّرُ الْمَعْلُومُ وَنُبَيِّنُ هَذَا بِمِثَالٍ مِنَ الْحِسِّيَّاتِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى، وَهُوَ أَنَّ الْمِرْآةَ الصَّافِيَةَ الصَّقِيلَةَ إِذَا عُلِّقَتْ مِنْ مَوْضِعٍ وَقُوبِلَ بِوَجْهِهَا جِهَةٌ وَلَمْ تُحَرَّكْ ثُمَّ عَبَرَ عَلَيْهَا زَيْدٌ لَابِسًا ثَوْبًا أَبْيَضَ ظَهَرَ فِيهَا زَيْدٌ فِي ثَوْبٍ أَبْيَضَ، وَإِذَا عَبَرَ عَلَيْهَا عَمْرٌو فِي لِبَاسٍ أَصْفَرَ يَظْهَرُ فِيهَا كَذَلِكَ فَهَلْ يَقَعُ فِي ذِهْنِ أَحَدٍ أَنَّ الْمِرْآةَ فِي كَوْنِهَا حَدِيدًا تَغَيَّرَتْ، أَوْ يَقَعُ لَهُ أَنَّهَا فِي تَدْوِيرِهَا تَبَدَّلَتْ، أَوْ يَذْهَبُ فَهْمُهُ إِلَى أَنَّهَا فِي صِقَالَتِهَا اخْتَلَفَتْ أَوْ يَخْطُرُ بِبَالِهِ أَنَّهَا عَنْ سُكَّانِهَا انْتَقَلَتْ، لَا يَقَعُ لِأَحَدٍ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَيَقْطَعُ بِأَنَّ الْمُتَغَيِّرَ الْخَارِجَاتُ، فَافْهَمْ عِلْمُ اللَّهِ مِنْ هَذَا الْمِثَالِ بَلْ أَعْلَى مِنْ هَذَا الْمِثَالِ، فَإِنَّ الْمِرْآةَ مُمْكِنَةُ التَّغَيُّرِ وَعِلْمُ اللَّهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَقَوْلُهُ: فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا يَعْنِي يَقَعُ مِمَّنْ يَعْلَمُ اللَّهُ أَنْ يُطِيعَ الطَّاعَةَ فَيَعْلَمُ أَنَّهُ مُطِيعٌ بِذَلِكَ الْعِلْمِ وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ يَعْنِي مَنْ قَالَ أَنَا مُؤْمِنٌ وَكَانَ صَادِقًا عِنْدَ فَرْضِ الْعِبَادَاتِ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 25  صفحه : 26
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست